الجفاف يتسبب في هجرة اقتصادية من مناطق الأنهار والأهوار بالعراق
يسحب الصيادون من الماء، تحت الشمس الحارقة في منطقة الأهوار بجنوب العراق، صيدا هزيلا، عبارة عن أسماك صغيرة نافقة لا تصلح إلا كعلف للحيوانات.
كان السكان المحليون يتمتعون بالاكتفاء الذاتي في المناطق شاسعة المساحة التي تغطيها المياه العذبة في الأهوار المدرجة على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ويملؤون شباكهم بأنواع مختلفة من الأسماك ويربون قطعان الجاموس.
لكن في السنوات الأخيرة، أدت موجات من جفاف الأنهار، التي تغذي الأهوار، إلى انحسارها مع زيادة نسبة ملوحة المياه بسبب تسلل مياه البحر المجاور، مما أسفر عن اختفاء الأسماك وتهديد نمط حياة يعود إلى قرون.
في هذا السياق، قال صياد سمك، من عرب الأهوار الأصليين من مدينة الخورة في البصرة، خميس عادل “حاليا لا يوجد ماء”. وأشار إلى أنواع كثيرة من الأسماك التي لم يبق منها شيء بسبب نقص المياه وزيادة الملوحة والسدود.
وأضاف أن الأسماك إما هربت أو ماتت من قلة الماء، بالإضافة إغلى كونه الآن مالحا.
يتخلى الصيادون والمزارعون وصناع القوارب وآخرون في جميع أنحاء البلاد عن الحياة التي تعتمد على المياه ويبحثون عن وظائف في المناطق الحضرية التي ترتفع فيها بالفعل معدلات البطالة، ويؤدي الاستياء إلى احتجاجات متكررة.
وقالت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة إن أكثر من 62 ألف شخص نزحوا داخل العراق حتى سبتمبر/أيلول الماضي بسبب ظروف الجفاف المستمرة منذ أربع سنوات، وهو عدد من المرجح أن يرتفع مع تدهور الأوضاع.
ويقول مسؤولون عراقيون وسكان محليون إن التغيرات وراءها مجموعة كبيرة من العوامل تشمل بناء تركيا وإيران سدودا على الأنهار، وسوء إدارة الموارد المائية، والتلوث الشديد للأنهار، وتغير المناخ الذي أدى إلى قلة هطول المطر.
ومع جفاف الأنهار والأهوار، تراجع الاقتصاد القائم عليها.
وفي بلد تدير الدولة معظم اقتصاده، يعني هذا زيادة عدد الأشخاص الذين يبحثون عن وظائف حكومية، مما يضع مزيدا من الضغط على الموارد المالية المعتمدة على النفط والتي تغطي رواتب سبعة ملايين موظف بحسب تصريحات وزير المالية السابق.
وكان الشقيقان محسن وحسن موسى يعيشان على الصيد من نهر الفرات في النجف كما فعل أسلافهما. وترك حسن الصيد قبل سنوات، واختار بدلا منه قيادة سيارة أجرة وبيع الطيور على جانب الطريق، لكنه لا يزال يواجه صعوبات في تغطية نفقاته.
“بدأت قطوعات الماء في عام 1995 ومن ثم حصل شح في المياه في عام 2011. حينها آلاف الصيادين تركت العمل، ولا يوجد وظائف، بالنسبة إلي إذا حصلت على وظيفة تفيدني أستطيع أن أسد معيشتي، فهذا العمل لا يسد شي بسيط”
ولا يزال شقيقه يحاول كسب عيشه عن طريق النهر، الذي بات ضحلا ومليئا بمياه الصرف الصحي، لكنه يقول إنه يتصيد ما يصل إلى خمسة كيلوجرامات من الأسماك يوميا مقارنة بنحو 50 كيلوجراما في الماضي مما قد يدفعه إلى ترك المهنة قريبا.
وأضاف أن ظروف الطقس الصعبة مع زيادة الرطوبة جعلت الأوضاع المادية للصيادين شديدة الصعوبة حتى أنهم قد لا يستطيعون تدبير ضروريات الحياة.
أما بالنسبة لنعمة حسن، صانع القوارب الذي كانت ورشته تبني في السابق ستة قوارب كل شهر، فيؤكد بدوره تراجع النشاط وتدهور العمل. وبعد أن كان يعمل لديه في السابق ما يصل إلى عشرة عمال، أصبح يكدح الآن بمفرده في ورشته محاولا تغطية نفقاته الخاصة.
وقال “قبل كان العمل موجود (الطلب على القوارب)، كان الماء موجود، والعمال كانت تعمل ونطلع إنتاج بالشهر، نطلع زوارق كبيرة.. (أما الآن) العمل ليس مثل قبل حقيقة من ناحية حتى الإيجار ما نستطيع إخراجها من وراء الماء”.
Source link